الجبار
وفي هذا الاسم خطبتان
الخطبة الأولى بعنوان: اسم الله الجبار
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
عباد الله: حديثنا اليوم عن اسم الله عز وجل (الجبار)، قال الله عز وجل: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: 23].
كما جاء ذكر اسمه الجبار في السنة المطهرة، ومن ذلك ما روي عن عوف بن مالك t قال: "قمت مع النبي ﷺ ليلة من الليالي، قال: فلما ركع النبي ﷺ مكث قدر سورة البقرة، يقول في ركوعه: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة"([1]).
واسم الله الجبار له ثلاث معان:
المعنى الأول: الكبير القوي، أي أنه قوي سبحانه وتعالى يقهر الجبابرة، ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وعظيم فهو تحت قهر الله -عز وجل- وجبروته.
المعنى الثاني لاسم الجبار هو جبر الرحمة، أي أنه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسر بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم من الهم أو الحزن أو غيره بإزالة ما فيها وإبدالها سعادة وفرحا.
المعنى الثالث لاسم الجبار هو جبر العلو، فهو عال فوق خلقه سبحانه، ومع علوه فهو قريب منهم، يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
عباد الله: صفة الجبروت بمعنى القهر والطغيان هي في حق الإنسان صفة ذميمة وسيئة، قال تعالى: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: 15]، كما نفى الله -عز وجل- الجبروت عن نبيه عيسي -عليه السلام-، فقال سبحانه على لسان عيسى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: 31-32].
فلا يجوز للإنسان أن يكون جباراً ظالماً قاهراً لعباد الله، بل يستحب له أن يجبر الخواطر الضعيفة المنكسرة من الهم والحزن والفقر.
والرسول ﷺ هو صاحب الخلق العظيم في جبر الخواطر، ففي قصة الصحابي عكرمة بن أبي جهل t كان أبوه أبو جهل من أعداء الإسلام، وعندما جاء عكرمة مسلماً، وجاء إلى النبي ﷺ أرشد النبي ﷺ الصحابة ألا يسبوا أباه أمامه، وأن لا يعيروه بأبيه، وذلك جبراً لخاطره([2]).
وهكذا كان رسولنا ﷺ يجبر الخواطر، فكان إذا تكلم مع إنسان نظر في عينيه جبراً لخاطره، وإذا صافحه أحد لا يسحب يده حتى يسحبها الطرف الآخر جبراً لخاطره([3])، فهو يراعي مشاعر وخواطر الناس.
عباد الله: إن الإيمان باسم الله الجبار له آثار في حياة المؤمن وسلوكه ومعتقداته، منها:
تعظم الله عز وجل تعظيماً يليق بجلاله وعظمته؛ لأنه قاهر الجبابرة الظالمين.
ومن آثار الإيمان باسمه الجبار أن يعرف العبد قدره ومنزلته، وأن لا يتعدى قدره ومنزلته، وأن يتواضع لربه تبارك وتعالى، ولا يخرج عن طاعته.
وأيضاً يستسلم لقضاء الله وقدره فلا يجزع ولا يسخط؛ لأن ما يحصل للإنسان في هذه الحياة فهو بإرادته سبحانه، فعليك بالتسليم لجبار السماوات والأرض.
نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
([1]) أخرجه الترمذي (873)، والنسائي (1049).
([2]) أخرج ابن سعد هذه القصة في «الطبقات الكبرى» (1/323) عن عبدالله بن الزبير t.
([3]) أخرجه أبو داود (3716)، والترمذي (2490)، وابن ماجه (3716) أن النبي ﷺ كان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمن آثار الإيمان باسم الله الجبار أن يعلم المؤمن ويستيقن أنه لا مشرع إلا الله عز وجل الجبار في هذا الكون، فمن اجترأ على الله وشرع للناس ووضع لهم القوانين الوضعية بدلاً من أحكام الله عز وجل فقد اجترأ على الله تبارك وتعالى.
وكذلك من آثار الإيمان باسمه الجبار أن يرغب الإنسان إلى الله عز وجل ويلجأ إليه في أي نقص أو حاجة أو مرض أو ابتلاء يعترضه، فلا يلجأ إلى المخلوقين فيما لا يقدرون عليه، وإنما يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى فهو الذي يجبر الكسير، ويغني الفقير، وينصر المظلوم، وهو سبحانه لا يغضب من كثرة الدعاء والسؤال، بل يعطي ويغني ويشفي كلما لجأ العبد إليه.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإيمان بأسمائه وصفاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا عسرا إلا يسرته، ولا مريضا إلا شفيته.
اللهم وفق ولي أمرنا لما يرضيك، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، وأبعد عنه بطانة السوء الفاسدة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين([1]).
([1]) الخطبة للشيخ عبدالله بن عوض الأسمري.