اسم الرقيب

اسم كاتب الخطبة: الخطبة للشيخ خالد القرعاوي

الخطبة الثالثة بعنوان: الله تعالى هو الرقيب

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ السَّمِيعِ المجِيبِ، الرَّقِيبِ الحَسيبِ، المطَّلعِ على الضَّمائِرِ، العَالِمِ بِالسَّرائِرِ، نِعَمُهُ سُبحانَهُ وافِيةٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لا تَخفَى علَيه خَافيةٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، راقَبَ اللهَ واتَّقَاه، فَطَهَّرَهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ونَقَّاه، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، والتابعينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ، وَاخْشَوا رَبَّكُمْ وَلا تَعْصُوهُ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].

فَالرَّقِيبُ اسمٌ منْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسنَى، والرقابة صِفَةٌ منْ صِفَاتِه العُليا، فَهُوَ الرَّقِيبُ الَّذِي لا يَخْفى ولا يَغِيبُ عَنْ علمِه شيءٌ.

وَمُرَاقَبَةُ العبد للهِ مَعْنَاهَا دَوَامُ عِلْمِ العَبْدِ وَيَقِينُهُ بِاطِّلاعِ اللهِ عَليهِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، قَالَ اللهُ سُبْحَانَه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا [الأحزاب: 52].

فَهُوَ سُبْحَانَهُ:

رَقِيبٌ عَلى كُلِّ الوُجُودِ مُهَيمْنٌ *** عَلى الفَلَكِ الدَّوَّارِ نَجْمَاً وَكَوكَبَاً

رَقِيبُ عَلَى كُلِّ النُّفُوسِ وَإنْ تَلُذْ *** بِصَمْتٍ وَلَمْ تَجْهَرْ بِسِرٍّ تَغَيَّبَاً

اللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ المحصِي لأَعمالِ النَّاسِ، الحافظُ لَهَا، المجازِي عَلَيهَا.

والمسْلِمُ إذَا عَقَلَ هَذا الاسْمَ المقدَّسَ وفَقِهَ مَعْنَاهُ وَصلَ إلى الإِحْسَانِ الَّذِي عرَّفَهُ الرَّسُولُ ﷺ بِقَولِهِ: "أنْ تَعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تَراه، فإنْ لمْ تكنْ تراهُ فإِنَّهُ يَراك"([1]).

إنَّ مُرَاقِبَ اللهِ سُبْحَانَهُ يُحاسِبُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحاسبَهُ أَحَدٌ، أَو يُتَابِعَهُ أَحَدٌ، وَرضيَ اللهُ عَنْ عُمرُ يَومَ أنْ قَالَ: "حَاسِبُوا أَنفسَكُم قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا"([2]).

إنَّ مُرَاقِبَ اللهِ تَعَالَى يَعلمُ يَقِينَاً بِأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على الضَّمائِرِ، وَبِما يَجُولُ في السَّرائِرِ، فَيُقْدِمُ على العَملِ الطَّيِّبِ والقَولِ الحَسَنِ وهو فَرِحٌ مَسرُورٌ؛ لأَنَّهُ يَتَذُوَّقُ طَعْمَ الإِيمَانِ ولَذَّتَه، يَقُولُ رَسُولُنَا ﷺ: "ذاقَ طَعمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ ربَّاً، وبِالإِسلاَمِ دِينَاً، وبِمُحمَّدٍ رَسولاً"([3])، وهذا السُّرُورُ يكونُ حافِزاً لَهُ علَى دوامِ طاعةِ اللهِ وبَذْلِ الجُهْدِ في مَرضَاتِه.

عبادَ اللهِ: صَاحِبُ العَقِيدَةِ الرَّاسِخَةِ والضَّمِيرِ الحَيِّ يَعِيشُ حَيَاتَهُ دَوْمَاً مُراقِباً للهِ في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ؛ لإيمانِه بِأَنَّ اللهَ مَعهُ حَيثُما كانَ، لا يغيبُ عَنْ عِلْمِه شَيءٌ في زمانٍ أو مكانٍ، وأنَّهُ سُبْحانَهُ لا تَخْفَى عليهِ خافيةٌ، يقولُ اللهُ سُبْحانَهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم [المجادلة: 7].

فَمَتَى عَقَلَ المرْءُ هَذَا وَوَعَاهُ قَلْبُهُ وَأَيْقَنَ بِمَوقِفِهِ غَدًا بَينَ يَدَيْ رَبِّهِ كَانَ ذَلِكَ بَاعِثًا لَهُ على الإكْثَارِ مِن الطَّاعَاتِ، وَمُجَانَبَةِ المنْكَرَاتِ، وَالاشْتِغَالِ بالنَّافِعَاتِ قَبْلَ فَوَاتِ الفَوْتِ.

وَمَقَامُ مُرَاقَبَةِ اللهِ هُو الذي مَنَعَ يُوسُفَ -عَليهِ السَّلامُ- منْ مَعْصِيَةِ رَبِّهِ حِينَ تَيَسَّرَتْ لَهُ أسْبَابُهَا، فَقَالَ: ﴿مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف: 23].

وَهَذا المقَامُ هُوَ الذي جَعَلَ الفَتَاةَ حِينَ طلبت منها أمُّها أن تَغِشَّ فِي الَّلبَنِ وَتَزِيدَهُ مَاءً قَبْلَ بَيعِهِ أنْ تَقُولَ: إنْ كَانَ عُمَرُ لا يَرَانَا فَرَبُّ عُمَرَ يَرَانَا([4]).

وَلا يَخْفَى علَيكُمْ أنَّ مِنْ ضِمْنِ مَنْ انْطَبَقَتْ عَليهِمُ الصَّخْرَةُ: رَجَلٌ كَانَ يُرَاوِدُ ابْنَةَ عَمٍّ لَهُ فَلَمَّا تَمَكَّنَ مِنْهَا بَعْدَ شِدَّةِ حَاجَتِهَا قَالَتْ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقَامَ وَتَرَكَهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ، فَفرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ فُرْجَةً([5]).

مَعَاشِرَ المسْلِمِينَ: ألا تَعْلَمُونَ أَنَّ الغَفْلَةَ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالى هِيَ مَنْ جَعَلَتِ المنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلاةِ العِشَاءِ والفَجْرِ، وَيَقُومُونَ إلى الصَّلاةِ كُسَالَى، وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلَّا قَليلاً.

وَالغَفْلَةُ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالى هِيَ مَنْ جَعَلَتِ أُنَاسَاً يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالنَّصْبِ والتَّدْلِيسِ والكَذِبِ والاحْتِيَالِ.

وَالغَفْلَةُ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالى هِيَ مَنْ جَعَلَتِ عَدَدَاً مِن الموظَّفِينَ يُؤَخَّرُونَ المرَاجِعينَ، وَلا يَقُومُونَ بالحُقُوقِ.

وَالغَفْلَةُ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ هِيَ مَنْ جَعَلَتِ العَامِلَ والمقَاوِلَ يُرَاقِبُ مَسْؤولَهُ وَمُشْرِفَهُ وإلَّا لَمَا أَتْقَنَ عَمَلَهُ.

وَالغَفْلَةُ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالى هِيَ مَنْ جَعَلَتْنَا فِي كَثِيرٍ مِن الأَحْيَانِ نَلُوذُ عَن الأَنْظَارِ وَنُبَاشِرُ مُشَاهَدَةَ الحَرَامِ، نَسْتَخْفِي مِن النَّاسِ وَلا نَسْتَخْفِي مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَنَا، ﴿وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 108]، وَلَكِنْ غَفَلَتِ القُلُوبُ فَتَرَاكَمَتِ الذُّنُوبُ وَاسْتَهَنَّا بِوَعِيدِ عَلاَّمِ الغُيُوبِ.

وَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ دُعَاءِ نَبِيِّنَا ﷺ: "الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيتَكَ فِي الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ"([6]).

نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إليهِ.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

أَقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

([1]) أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9).

([2]) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (34459).

([3]) أخرجه مسلم (34).

([4]) القصة أخرجها الآجري في «أخبار أبي حفص عمر بن عبدالعزيز» (ص47).

([5]) الحديث أخرجه البخاري (2215)، ومسلم (2743).

([6]) أخرجه النسائي (1305).

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ الذَّاكِرينَ الشَّاكِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَيا مُسلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تَقْوَاهُ، واشْكُرُوهُ على مَا أَمَدَّكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمٍ، وَدَفَعَ عَنْكُمْ مِنْ بلايَا وَنِقَمٍ، فَهَا هِيَ أَمْرَاضٌ فَتَّاكَةٌ مُهْلِكَةٌ طَافَتْ فِي عَدَدٍ مِنْ البِلادِ، وَأَذَاقَتْ دُولاً وَشُعُوبَاً سُوءَ العَذَاب، فَاسْأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلاءٍ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ"([1]).

عِبَادَ اللهِ: حِينَ تَحَدَّثْنَا عَنْ مُرَاقَبَةُ اللهِ عَزَّ وجل فلِمَا لَهَا مِنْ ثَمَرَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَفَوائِدَ جَلِيلَةٍ، فَهِيَ كَابِحَةٌ لِدَوَاعِي الشَّرِّ لَدَى الإنْسَانِ، عَاصِمَةٌ لِجَوارحِهِ مِنْ كُلِّ مَعصيةٍ، حَافِظَةٌ لَهُ في السِّرِّ والعَلَنِ، فالمرَاقِبُ أَمَامَ عَينَيهِ قَول اللهِ تَعالَى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19]، فلا تَصدُرُ مِنْهُ خَائِنةٌ، ولا تَحْدُثُ مِنْهُ شَائِنَةٌ.

ألا وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أَنَّكَ سَتَسْتَحْيِ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ، وَهَذَا سَدٌّ مَنِيعٌ لَكَ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى.

وَهُوَ نَفْسُهُ مَا أَوصَانَا بِهِ رَسُولُنَا ﷺ حِينَ قَالَ: "استحيُوا من الله حقَّ الحياء"، قالوا: يا رسول الله، إنَّا لنستحيِي والحمد لله، قال: "ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء من الله حقَّ الحياء أن تَحفظ الرَّأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى"([2]).

عبادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ مُرَاقَبَةِ اللهِ حُبَّ اللهِ لَكَ، ثُمَّ حُبَّ مَلائِكَتِهِ الكِرَامُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَك القَبُولُ في الأَرْضِ، فَتَكُونُ مَحْبُوبَاً عِنْدَ النَّاسِ.

وَصَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك: 13]، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ t: "لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ تَلْعَنُهُ قُلُوبُ المؤمِنِينَ وَهُوَ لا يَشْعُرُ، يَخْلُو بِمَعَاصِي اللهِ فَيُلْقِي اللهُ عَلَيهِ البُغْضَ فِي قُلُوبِ المؤْمِنِين"([3]).

أَيُّهَا الأَخُ المؤمِنُ: إِنَّ مَراقَبَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَحْسَنِ الأَدْوِيَةِ وأَنْفَعِهَا لِعِلاَجِ الغَفْلَةِ التي رَانَتْ عَلى قُلُوبِ أَكْثَرِنَا، كَما أَنَّ مُراقَبَةَ اللهِ عَزَّ وجلَّ سَبِيلٌ لإِصْلاَحِ العَمَلِ، ومِنْ ثَمَّ تَحقِيقِ الأَمَلِ، كَما أَنَّ مَراقَبَةَ اللهِ تَعَالَى عِلاَجٌ فَعَّالٌ في إِصلاَحِ الدِّينِ وسلاَمةِ الطَوِيَّةِ، وإذَا صَلُحَتِ النِّيَّةُ صَلُحَتِ الأَعْمالُ، وسَلِمَتِ الأَقْوَالُ.

أَيُّهَا الأَخُ المؤمِنُ: رَاقِبْ رَبَّكَ فِي كُلِّ شُؤونِكَ، وَلا تَنْظُرْ إلى البَشَرِ مَهَما عَلَوْ، ولو أَنَّ كُلَّ إِنْسانٍ مِنَّا اتَّخَذَ هذا مَسْلَكاً في جَمِيعِ أُمُورِهِ لَعاشَ الجَمِيعُ في مَأْمَنٍ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَمَنْأَىً عَنْ كُلِّ ما يُؤْذِي ويَسُوءُ، وَصَارَ مُجْتَمَعُنا مُجْتَمَعَ خَيْرٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وسِلْمٍ وسَلاَمٍ، ومَحَبَّةٍ وإِخَاءٍ، فلاَ كَذِبَ ولاَ خِيَانَةَ، وَلاَ نَكْثٍ لِلعُهُودِ، وَإخْلافِ لِلوُعُودِ وَنَقْضٍ لِلعُقُودِ.

أَيُّهَا الأَخُ المؤمِنُ: تَأَمَّلْ قَولَ نَبِيِّنَا ﷺ: قال ﷺ: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا"، قال ثوبان t: يا رسول الله، صفهم لنا جلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها"([4]).

ألا فَاتَّقُوا اللهَ، واعلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ أحْسَنَ العَمَلَ نَالَ مِنَ اللهِ أَعْظَمَ الجَزَاءِ، ومِنَ النَّاسِ القَبُولَ والثَّنَاءَ، فَرَاقِبُوا اللهَ في جَمِيعِ شُؤُونِكُمْ يَهبْكُمُ اللهُ الرُّشْدَ والخَيْرَ، ويُحَصِّنْكُم مِنْ كُلِّ شَرٍّ وضَيْرٍ.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

فَاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنا لِسَاناً صَادِقاً، وَقَلْباً خَاشِعاً شَاكِرَاً، وَعَمَلاً صَالِحاً، وَعِلْماً نَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَاجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك المؤمنين.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا، وَوَفِّقْ وُلاتَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضىَ.

اللهمَّ إنَّا نعُوذُ بك مِن الفِتَنِ والبَلاءِ والأوبِئَةِ يا ربَّ العَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا أسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء، وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

 ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقر: 201].

﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]([5]).

 
 

([1]) أخرجه أبو داود (1554)، والنسائي (5493).

([2]) أخرجه الترمذي (2458).

([3]) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/481).

([4]) أخرجه ابن ماجه (4245).

([5]) الخطبة للشيخ خالد القرعاوي.

عدد الكلمات

2697

الوقت المتوقع

44 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-11-14 16:17م