اسم السلام

اسم كاتب الخطبة: الخطبة للشيخ عبدالله بن عوض الأسمري

الخطبة الثانية بعنوان: اسم الله السلام

الخطبة الأولى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مباركا فيه، أما بعد:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

من أسماء الله عز وجل اسم السلام، فقد كان النبي ﷺ إذا انتهى من صلاته استغفر الله ثلاثاً، وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام"([1]).

وقد ذكر اسم الله السلام في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [الحشر: 23].

واسم الله السلام مأخوذ من السلامة، فهو سبحانه وتعالى السالم من مشابهة أحد من خلقه، والسالم من النقص، ومن كل ما ينافي كماله سبحانه وتعالى.

والله تعالى أولى وأحق بهذا الاسم من كل مسمى؛ لسلامته سبحانه من كل وجه، فهو سلام كامل في ذاته وصفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل شر وظلم وفعل، وحياته سبحانه سالمة من الموت والنوم ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ [البقرة: 255]، وقيامُه على المخلوقات وقدرتُه سالمة من التعب واللغوب، وعلمُه سلام لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه وتعالى، وإرادتُه سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماتُه سلام من الكذب والظلم، وغناه سلام وسالم من فقر أو نحوه، وألوهيتُه سلام وسالمة من مشاركة أو معاون، وحلمُه ومغفرتُه سلام وسالمة من أن تكون لحاجة أو مجاملة لأحد، وعذابُه وانتقامُه وعقابُه سلام من أن يكون ظلماً أو تشفياً، وقضاؤُه وقدرُه سلام وسالم من العبث والجور، ونزولُه كل ليلة إلى سماء الدنيا كما يليق به سلام مما يضاد علوه، هذا هو المعنى الأول للسلام، أي أن الله هو مصدر الأمن والسلامة، فكل من ابتغى السلامة عن غيره فلن يجدها ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107].

والمعنى الثاني لاسم الله السلام الذي سلَّم مخلوقاته من الخلل والعيب والقصور، قال تعالى: ﴿مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ [الملك: 3] أي اختلاف أو نقص، وقال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: 7] فالأفلاك تدور منذ ملايين السنين في نظام ثابت لا تضطرب، ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يــس: 40] فالشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالقرب ولا بالبعد، ولو اقتربت من الأرض لاحترق كل ما عليها، ولو بعدت لتجمد كل ما عليها، كل ذلك لتعيش الكائنات في سلام وأمان.

عباد الله: إن الله عز وجل السلامَ دل عباده على ما فيه سلامتهم، فأرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ حتى يؤمنوا بالله، ويسلّموا أنفسهم من العذاب ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 38]، فهو الآمن يوم القيامة من الفزع ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: 103]، ومصيرهم إلى الجنة دار السلام ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ [الأنعام: 127]، وقال للداخلين للجنة: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق: 34] فأهل الإيمان بالله تعالى لهم السلام في حياتهم ويوم القيامة، وهي الجنة.

نسأل الله الجنة، وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بالله من النار، وما قرب إليها من قول وعمل.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

([1]) أخرجه مسلم (591).

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

إن من آمن باسم الله السلام ترسخ في قلبه وجوارحه آثار حسنة، منها:

أولا: أن تسعى في السلام مع الله، بأن لا تأتي ما يوجب غضب الله تعالى وعقابه، فتبعد عن المعاصي، وتقيم الفرائض.

ثانيا: أن يكون المسلم مصدراً للسلام لكل من حوله، فعليه أن يكون سلاماً مع نفسه في طاعة الله، سلاماً على أهل بيته وعلى أقاربه وعلى جيرانه، فلا يؤذي أحدا، بل عليه باللين والرحمة والتسامح والمغفرة للأقربين وللمسلمين، وقد قال النبي ﷺ: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"([1]).

ثالثا: عليك بإفشاء السلام بين الناس، فالسلام شعار المسلمين، وسبب في عودة المحبة بينهم، قال ﷺ: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"([2]).

رابعا: ترك الشهوات والشبهات، والحقد والغل والكبر على المسلمين، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88-89].

نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا عسيرا إلا يسرته، ولا مريضا إلا شفيته.

اللهم وفق ولي أمرنا لما يرضيك، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، وأبعد عنه بطانة السوء الفاسدة يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين([3]).

 

([1]) أخرجه مسلم (591).

([2]) أخرجه مسلم (54).

([3]) الخطبة للشيخ عبدالله بن عوض الأسمري.

عدد الكلمات

1595

الوقت المتوقع

26 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-11-14 16:13م