- الطيب
وفي هذا الاسم خطبة واحدة بعنوان: اسم الله الطيب
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
لله الأسماء الحسنى والصفات العلا، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]؛ أي: بالغة في الحسن والجمال والجلال أعلاه، وصفاته سبحانه صفات جمال وجلال وعظمة فهو ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
ومن أسماء الله الحسنى اسم الطيب، حوى جمال الوصف وجمال المعنى، فهو سبحانه الطيب الذي لا أطيب منه، المنزّه عن كل عيب ونقص، الطيب في ذاته وأسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله.
فاسمه طيب، وفعله طيب، ودينه طيب، وأحكامه وشرعه تطيب بها النفوس، وتطمئن لها القلوب، وإليه يصعد الكلم الطيب، قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10].
فالطيبات كلها له، ومضافة إليه، وصادرة عنه، ومنتهية إليه، فالطيبات له وصفًا وفعلاً وقولاً ونسبة، وكل طيب مضاف إليه، وكل مضاف إليه طيب، فإنه طيب لا يقبل إلا طيبًا، كما قال النبي ﷺ: "إنَّ الله طيّبٌ لا يَقبل إلا طيبًا"([1]).
بل ما طاب شيء قط إلا بطيبته سبحانه، وطيب كل ما سواه من آثار طيبته.
وما سوى الطيب فليس إليه سبحانه؛ قال النبي ﷺ: "والشر ليس إليك"([2]).
وقد أمر الله عباده أن ينفقوا من الطيبات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: 267]، وقال النبي ﷺ: "مَن تصدَّق بعَدْل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيّب، وإنَّ الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل"([3])، والفلو: هو الخيل الصغير.
ومن طيبه جل وعلا أنه جعل الكلمة الطيبة لا تليق إلا بالطيب من الرجال والنساء، قال سبحانه: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: 26].
وأهل الإيمان هداهم الله إلى الكلم الطيب، قال تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج: 24].
وذكره سبحانه وتعالى طيّب، قال النبي ﷺ: "أربع من أطيب الكلام، وهن من القرآن، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"([4]).
وقسَّم الله الكلام إلى طيب وخبيث، فجعل كلمة التوحيد هي الطيبة، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ [إبراهيم: 24-26].
وبيَّن النبي ﷺ أن من أسباب اتقاءِ النار الكلمةَ الطيبة، فقال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة"([5]).
([1]) أخرجه مسلم (1015).
([2]) أخرجه مسلم (771).
([3]) أخرجه البخاري (1410)، ومسلم (1014).
([4]) أخرجه أحمد في «المسند» (20126).
([5]) أخرجه البخاري (6023)، ومسلم (1016).
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
من آثار طيب الله عز وجل أنه وعد المؤمنين بالحياة الطيبة، فقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
ومن آثار طيبه سبحانه أن الملائكة تقول للمؤمن عند نزع روحه: "اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب"([1])، كما قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32].
ومن طيبه تبارك وتعالى أن أعد للمؤمنين في الجنة مساكن طيبة، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72].
فلا يجاوره سبحانه إلا الطيبون، قال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].
فليحرص المسلم على طيب قوله، وفعله، وكسب ماله، وأكله، وشربه، ومسكنه، فالحرام مهما كَثُر لن يكسب المرء منه سعادة ولا استجابة لدعائه، فقد ذكر النبي ﷺ الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال النبي ﷺ: "فأنَّى يُستجاب لذلك"([2]).
وفَّقنا الله للقول الطيب، والفعل الطيب، وجعل دنيانا وآخرتنا طيبة([3]).
([1]) أخرجه ابن ماجه (4262).
([2]) الحديث أخرجه مسلم (1015).
([3]) الخطبة للشيخ إسماعيل القاسم.