اسم القدوس

الخطبة الثالثة بعنوان: تأملات إيمانية في اسم القدوس

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

من أسماء الله جل وعلا القدوس، ومعنى القدوس الطاهر من كل عيب، المنزه عن الأنداد والشركاء والأولاد.

كان النبي ﷺ يكثر من ذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده، فعن عائشة 1 أن رسول الله ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"([1]).

فالله سبحانه هو القدوس المنزه عن صفات النقص كلها، وهو المتنزه عن جميع العيوب، المنزه عن أن يماثله أحد من الخلق ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65]، ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة: 1]، ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [الحشر: 23].

فإذا علمت أن من أسماء الله القدوس فإنك حينئذ تقدس الله سبحانه وتنزهه عن النقائص والعيوب في أسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه.

أما كيفية ذلك:

فأولاً: أن تنزه الله سبحانه عن الشركاء والأنداد والصاحبة والولد، فهو الله الواحد الأحد الفرد الصمد ﴿سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ [النساء: 171] ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء: 111].

ثانياً: أن تثبت ما أثبته الله لنفسه من أسمائه وصفاته كما جاء في كتابه وسنة نبيه ﷺ من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، فإذا وصف الله نفسه بأي صفة بالسمع أو البصر أو الرحمة أو الكرم، فلا تحرف هذه الصفة، وتميل بها عن معناها، ولا تعطل هذه الصفة عن معناها، ولا تمثل هذه الصفة بصفات المخلوقين، لا تقل: إن كرم الله ككرم فلان، ورحمة الله كرحمة فلان؛ لأن الله سبحانه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]، فهذه الآية فيها نفي التمثيل، وليس نفي الصفات لله سبحانه، فليس من تقديس الله جل وعلا أن تنفي ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال، وقد ضل في هذا الباب طائفة من المسلمين، فنفوا عن الله جل وعلا صفات الكمال والجلال التي جاءت في القرآن والسنة أو نفوا بعضها، مع أنهم يقرؤونها في القرآن، ويقرؤونها في سنة النبي ﷺ، فهم يقرؤون قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف: 58]، ثم يقولون: ليس من صفات الله الرحمة، ويقرؤون قوله سبحانه: ﴿فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40]، ثم يقولون: ليس من صفات الله الكرم، وهذا من الضلال العظيم.

ثالثاً: إذا علمت بأن من أسماء الله القدوس فإياك أن تسيء الظن بالله سبحانه، كيف يظن الإنسان بالله ظن السوء مع علمه بأنه سبحانه القدوس المنزه عن النقائص والعيوب في أقواله وأفعاله وأسمائه وصفاته سبحانه، فليس هذا من دأب المؤمنين، وإنما من طريقة المنافقين والمشركين ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح: 6]، فكل ظن لا يليق بحمده وحكمته ورحمته وعلمه فهو سوء ظن بالله.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

([1]) أخرجه مسلم (487).

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

مما يذكر به المؤمن في هذا الباب أن كلمة "سبحان" تعني التنزيه، فإذا قال المؤمن: "سبحان الله" فإنه ينزه الله عن كل سوء، وهذا التنزيه يتضمن الكمال المطلق لله من جميع الوجوه.

وكم يتعجب الإنسان حينما يقرأ في القرآن اقتران اسم القدوس باسم الملك ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ [الجمعة: 1]، فالله -جل وعلا- هو الملك وملك الملوك، فمع كونه الملك المدبر المصرف للأمور كلها فهو سبحانه قدوس منزه عما يعتري الملوك من النقائص التي أشهرها الظلم والاستبداد والحاجة إلى الجند، فالله سبحانه منزه عن ذلك كله؛ لأنه هو القدوس سبحانه، يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف غماً، وينصر مظلوماً، ويأخذ ظالماً، ويفك عانياً، ويغني فقيراً، ويجبر كسيراً، ويشفي مريضاً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويعطي سائلاً، ويداول الأيام بين الناس، ويرفع أقواماً ويضع آخرين، وكل ذلك بلا نقص ولا خطأ جل جلاله، وتقدست أسماؤه.

فتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير([1]).

 

([1]) الخطبة للشيخ فهد بن سعد أبا حسين.

عدد الكلمات

1271

الوقت المتوقع

21 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-11-14 16:13م