اسم الحميد

الخطبة الثانية بعنوان: الله الحميد

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي ﴿يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[الشورى: 28]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم: 24].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

معاشر المؤمنين: فاتقوا الله، فإن تقواه ميثاق أمان، وطاعته بطاقة حفظ وائتمان، وتهيؤوا للرحيل قبل لقياه، واعلموا أن كل إنسان بعمله لا بماله سيلقاه، ﴿وَأَنْ لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُـــرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى [النجم: 39-41].

أيها الأحبة الكرام: قال الله جل في علاه: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 27-28]، إنها الحكمة الربانية الحانية، إنها رحمة الخبير البصير الذي يعلم مقاليد الأمور، وتصريف مجريات الحياة، يقف العقل البشري اليوم حائرا أن يستوعب لطف الخبير البصير.

إن البشر في الأرض لا يطيقون أن ينزل عليهم فيض الله ورزقه غير محدود، إن البشر مهما بلغوا في علمهم وخبرتهم فإن علمهم قاصر، ولا يملكون التوازن في الحياة، ضعاف مهما علت قدراتهم في إدراك موازين هذه الدنيا، ولذا جعل الله لهم الرزق بقدر محدود، بقدر ما يطيقون، واستبقى فيض رزقه وعطائه المبسوط في دار آخرته.

لم يكن ذلك بخلا من الله الكريم -حاشاه-، وإنما علم أن الإنسان لو فتحت عليه أرزاق السماء كلُّها لبغى في الأرض، فأنزل الرحمة والعافية والرزق بقدر ما يعلم أنه يصلح حال الناس في هذه الدنيا، روى الإمام أحمد في المسند عن النبي ﷺ أنه قال: "إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب، تخافونه عليه"([1]).

معاشر الأحبة: هذه نفحة أخرى من لطائف الولي الحميد، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28]، فإن كل قطرة هطلت في الأيام الماضية، وتهطل في ساعتنا الآن لتذكر الخلق بمن؟ بالولي الحميد، إنه فضل الولي الحميد.

حينما غاب الغيث، وانقطع المطر وقف الناس عاجزين عن سبب الحياة الأول وهو الماء، فأدركهم اليأس والقنوط، وغلت أسعارهم، وهلكت مواشيهم، وأجدبت أرضهم، وأمسكت خيرها، وإذا بالجود الرباني العاجل، ينشر ربنا رحمته وهو الولي الحميد، فتحيا الأرض بعد موتها، ويخضر اليابس، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، وينبض الأمل، وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات.

تنفتح أبواب الرحمة، فتهطل النجدة والغوث على أرض قد أجدبت، وآبار قد غارت مياهها، ودواب قد رفعت إلى الله حالها تستغيث، إنها رحمة الولي الحميد.

سبع عشرة آية في كتاب الله تذكرك باسم الحميد، يأتيك اسم الحميد في القرآن لينشر الأمل، ويعيد الابتسامة بعد الشدة.

الكون كله يشهد له بالحمد، فكل شيء في الكون من العرش إلى الفرش، من السماء إلى الأرض يشهد لله بالحمد، فهو المحمود في الرخاء والشدة، وهو المحمود على كل حال.

كيف تخاف ومعك الولي الحميد؟ كيف تجزع ومعك الولي الحميد؟ كيف تهتم ومعك الولي الحميد؟ كيف تدمع عيناك هما وألما ومعك الولي الحميد؟ كيف تشكو للناس همك ومعك الولي الحميد؟

الولي الحميد يتولى أمرك، يفرج كربك، يزيل معاناتك، إنه الولي الحميد الذي يحميك في الدنيا، نعم هو الذي يحميك إذا عاداك الناس، وينجيك إذا خاصمك الناس، فكيف تخاف ومعك الولي الحميد؟

الولي الحميد يحفظك، يتولاك، يرعاك، ينسيك ألمك، يفرج همك، يكشف كربك، هو معك في أي مكان كنت.

يقول أحد الإخوة: كنت في الحرم، وإذا برجل كبير السن، رافع يديه إلى أعلى، يقوم ويجلس، ودموعه تنهال على لحيته البيضاء، يبكي وينادي الولي الحميد أكثر من نصف ساعة، لا يفتر أبدا عن الدعاء، قال: وما هي إلا لحظات وإذا برجل يأتي من بعيد يشق الزحام، يتقدم ويتأخر حتى نظر في وجه هذا الرجل وهو يدعو، قال: ثم وضع يده في جيبه، وأخرج مبلغا من المال، ثم وضعه في حجره وانصرف، يقول: نظرت للرجل، وكأنه لم يرَ المال، فواصل دعاءه.

فلما انتهى من الدعاء نظر فوجد المال في حجره، فزاد بكاؤه، ورفع يديه إلى الله، وهو يشكر للولي الحميد، يقول: ينظر للمال مرة، وينظر للسماء مرة، وترتفع يديه، ثم يبكي، ويزداد بكاؤه.

يقول: توقف الرجل، ثم عد المال، وبعدما انتهى قلت له: أسألك بالله ما الذي حصل؟ قال: يا بني، والله لقد دخلت الحرم، وما أملك هللة واحدة، والله يا بني، ما مددت يدي لأحد أطلبه، إنما اختبأت في هذا المكان، ورفعت يدي للولي الحميد، والله يا ولدي لقد أعطاني الله ما طلبته مرتين، ثم بكى، وقال: يا بني إنك مع أكرم ملك، مع ملك السماوات والأرض، إن صدقته صدقك، وإن اتجهت إليه بقلب صادق نجاك، يا ولدي اجعل حاجاتك كلها إليه، والله ما يخذلك الولي الحميد.

نعم إنه الولي الحميد، اجمع حاجاتك كلها، وإذا خلا الليل فاشكُ إليه همك، وأودع الولي الحميد في ظلمة الليل سرك، وبث إليه مناجاتك، وأعلمه بآلامك، فهو الولي الحميد، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].

اللهم يا حي يا قيوم اجعلنا ممن تعلَّق بك في أموره كلها، اللهم اجعلنا ممن تعلَّق بك في أموره كلها.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الولي الحميد.

 

([1]) أخرجه أحمد في «المسند» (23622).

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظيم امتنانه، نشهد أن لا إله إلا هو وحده تعظيما لشانه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، أما بعد:

أحبتي: إن المطر نعمة من الله، خيرٌ وجودٌ وعطاءٌ، ولكننا اليوم في عصر ما يسمى بالتواصل الاجتماعي الذي دمر أكثر مما يصلح، تجد أحدهم يهلك نفسه من أجل لحظة يصور فيها ويعلن في تلك المواقع، فيلقي بنفسه في مجاري الأودية والسيول؛ لتُعرض صورته في مواقع التواصل الاجتماعي.

نحن الذين قلبنا النعمة بأيدينا إلى نقمة يوم غيرنا هذه النعمة وأهلكنا أنفسنا وأهلينا، يجري الواحد منا بأهله، ويرى السيل أمامه، فيهلك نفسه ويهلك عياله.

 أيها الأحبة: إننا في مجتمع واحد، وفي سفينة واحدة، وفي مكان واحد، إذا عم الهلاك عم الكل، وإذا عمت النعمة عمت الجميع، فالله الله في مراعاة النعم، لا نحولها بأيدينا إلى نقم، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11].

اللهم لك الحمد أولا وآخرا، لك الحمد ظاهرا وباطنا، لك الحمد ما خطت الأقلام، لك الحمد ما هطل الغمام، لك الحمد ما محت شمسٌ سواد الظلام، لك الحمد أنت الولي الحميد، لك الحمد أنت القاهر، لك الحمد لا إله إلا أنت، كل شيء هالك إلا وجهك العظيم([1]).

 

([1]) الخطبة للشيخ خالد الشهري.

عدد الكلمات

1617

الوقت المتوقع

26 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-11-14 16:17م