الخطبة الثالثة بعنوان: تحفة الكريم بعظمة العظيم
الخطبة الأولى
الحمد لله العظيم في ملكه، المدبر لإنسه وجنه، العالي على جميع خلقه، المستوي على عرشه، سبحانه وبحمده، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِه﴾ [الزمر: 67].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أعظم مَن عظّم ربه ورفع قدره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله وعظِّموه، واقدروه حق قدره ولا تعصوه.
أيها المسلمون: إن الله أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67].
جاء في الصحيحين عن ابن مسعود t قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه؛ تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67]([1]).
نعم عباد الله، عظمة الكبير المتعال، والواحد المفضال عظمة عظيم لا تقاس بعظمة، ولا توزن بمنزلة ورتبة، كيف لا والــمُلْكُ مُلْكُهُ، والعباد عبيده، وزمام الأمور بيده، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82].
ومما يجلي تلك العظمة -وإن كانت بالأبصار في الآفاق مشاهدة- ما رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر 5 أن النبي ﷺ قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67]، ورسول الله ﷺ يقول هكذا بيده يحركها، يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله ﷺ المنبر حتى قلنا: ليخرَّنَّ به([2]).
ومن عظمة العظيم، وهذا الرب الحليم الكريم ما هو مشاهد بالأبصار من الآيات والمخلوقات والليل والنهار، فالكون بما فيه خاضع له، خاشع لمولاه، يسبح لمجده، ويهتف بذكره، ويلهج بحمده، ويشهد بوحدانيته، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور: 41]، ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحشر: 24].
تفكَّرْ في نباتِ الأَرْضِ وانظُرْ *** إلى آثارِ ما صَنَعَ المـــَلِيكُ
عيونٌ مِن لُجَيْنٍ شاخصاتٌ *** بأبصارٍ هِيَ الذهبُ السبيكُ
على قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شاهداتٌ *** بأنّ اللهَ ليس له شريكُ
قال أعرابي: إن الأثر ليدل على المسير، وإن البعرة تدل على البعير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا يدل على اللطيف الخبير؟
فقلِّبْ نظرك، وأمعن فكرك، وتجول في ملكوت خالقك، انظر إلى السماء ونجومها، والكواكب وأفلاكها، علو باهر، ونور زاخر.
أمسك السماء بلا عَمَد، زينها بالنجوم، كملها بأحسن صورة وأحسن إتقان، ما فيها من فطور ولا شقوق.
انظر إلى البحار، وجريان الأنهار، بينهما برزخ لا يبغيان، لا يختلطان، ولا يتداخلان، ولا يمتزجان.
وإذا رأيت النهر بالعـذب الـزلا *** لِ جَرَى فسَلْهُ: مَـن الـذي أجراكـا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجـا *** جِ طَغَى فسله مـن الـذي أطغاكـا؟
تأمل الجبال وما يعتليها، والصخور والأحجار وأشكالها، ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: 17-20].
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحـاً *** قمم السحاب فسله من أرساكـا؟
أفلا يتفكر الإنسان في الأنهار ومجاريها، والقفار وما تحويها، والشجر وأوراقه، والزهر وأحداقه، والبرق وضوئه، والرعد وصوته، والليل وأستاره، النهار وأنواره، والفجر ونوره، والطير وعشه، والوحش ورزقه، والحيتان والحشرات، البهائم والعجماوات، ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: 1-3].
تأمل في الإنسان وعجائبه، خَلَقَه ربُّه فصوّره، وشق سمعه وبصره، أحسن خلقه، مبدأه ضعيف، من ماء مهين خفيف، لحم ودم، عظام وقدم، أوصال ومفاصل، تركيب عجيب، وخلق غريب.
تأملوا -أيها المسلمون- حجم هذه السماوات مع الكرسي، وحجم هذا الكرسي مع العرش، قال النبي ﷺ قال: "ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة"([3]).
فإذا كان هذا عظمة العرش مع الكرسي، فكيف بعظمة الحي القيوم؟ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5].
قال ابن عباس 5: ما السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ، وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي يَدِ الله إِلاَّ كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ([4]).
ومن عظمة العظيم هذه الجبال الرواسي بصخورها الصماء، وحجارتها الملساء، وكيف تتصدع من خشيته، وتهبط من رهبته، وتنهدّ من خوفه، ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 74].
لو أنزل الله تعالى كلامه وألقى عليها بيانه مع قوتها وصلابتها وشدتها وعظمتها لتصدعت وتشققت، ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه﴾ [الحشر: 21]، فهي تسبح لله، وتخشع لله، ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: 18].
تدبروا يا مسلمون، وتأملوا يا مؤمنون ما يدب على هذه الأرض من هوام وحيوان وحشرات ووحوش على أنواع مختلفة الأجناس، والأشكال والأصناف، كيف صرَّف الله أرزاقها، وساق إليها أقواتها، وهداها لما فيه صلاحها ومعاشها، ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6]، ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ [الأنعام: 38].
وكيف أخافُ الفقرَ والله رازقي *** ورازق هذا الخلق في العُسْرِ وَالْيُسْرِ
تكفـّل بالأرزاق للخَلْق كُلِّهِمْ *** وللضَبِّ في البيداءِ والحُوتِ في البحر
وقال آخر:
توكّلْتُ في رزقي على اللهِ خَالِقِي *** وأيقنتُ أن اللهَ لا شَكَّ رازقي
وما يكُ مِن رزقي فليس يفوتُني *** ولو كان في قاَع البحارِ العوامق
سيأتي به اللهُ العظيمُ بفضله *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطق
ففي أيّ شيءٍ تذهب النفسُ حسرةً *** وقدْ قَسَمَ الرحمن رِزْقَ الخلائق
فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
إن من عظمة خالقنا، وقدرة مولانا هذه النجوم النيرة، والكواكب الزاخرة، فخامة في حجمها، نور في أفلاكها، زينة للسماء، رجوم لكل شيطان، وعلامات يهتدى بها، أنواعها كثيرة، ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: 12].
تأملوا وانتبهوا وانظروا إلى هذه الشمس بأشعتها المنسكبة، وحرارتها الملتهبة، ونورها الساطع، وضوئها الباهر، ومنافعها العظيمة، وخلقها العجيب، تسجد لخالقها كل حين، وتخضع كل آن، وتجري لمستقر لها كل زمان.
جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قال لأبي ذر t حين غربت الشمس: "تدري أين تذهب"؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئتِ، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: ﴿والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم﴾"([5]).
وإذا رأيتَ البدْرَ يسري ناشراً *** أنوارَهُ فاسْأَلْهُ مَنْ أَسْراكَا
واسْألْ شُعاعَ الشمس يدنو وهْيَ أبْــ *** ـــعَدُ كُلِّ شيءٍ: ما الذي أدناكا؟
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
([1]) أخرجه البخاري (4811)، ومسلم (2786).
([2]) أخرجه أحمد في «المسند» (5414).
([3]) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (361).
([4]) أخرجه الطبري في «التفسير» (20/246).
([5]) أخرجه البخاري (3199)، ومسلم (159).
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الملك والملكوت والعظمة، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، حي قيوم، لا تأخذه نوم ولا سنة، بيده القسطُ يخفضه ويرفعه، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وأشهد أن لا إله إلا الله العظيم في ملكه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأخص الأئمة الحنفاء، والأربعة الخلفاء أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسائر العشرة الأتقياء، وبقية الصحابة الأوفياء.
معشر الإخوة إخوة العقيدة: ومما يدل على عظمة العظيم، وقدرة الكبير الكريم، مخلوق عجيب، هو مع كل إنسان، وينزل بالقرآن، ويمتثل طاعة الرحمن، خلقه عجيب، وصورته غريبة، مطيع غير عاص لمن خلقه، أتدرون من هو؟ أتحبون أن تطلعوا عن شيء من أمره وخبره؟
إنه -يا عباد الله- خلق خلقه الله من نور، إنهم ملائكة الرحمن، ورسله الكرام، ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وهم من خشية ربهم مشفقون، ولأمره خاضعون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
أعدادهم هائلة، ووظائفهم متنوعة، قلوبهم خاشعة، وجوارحهم خاضعة، وفرائصهم من خشية الله مرتعدة، وأفئدتهم من خوف الله فزعة.
روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي ذر t عن النبي ﷺ قال: "إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحَقٌّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ"([1]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عن النَّبِيّ ﷺ قَالَ: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعانا لقوله، كأنه سلسلة صفوان يَــنْفُذُهم ذلك، فإذا ﴿فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ [سبأ: 23]"([2]).
أعطاهم الله من القوة الباهرة، والقدرة القاهرة، قال ﷺ: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ"([3]).
وأما عددهم فلا يعلمه إلا الله، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31]، وفي الصحيحين في ذكر البيت المعمور في السماء السابعة أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون([4])، وهكذا، فهذا عدد هائل ضخم كبير.
وهؤلاء الملائكة لهم وظائف وخصائص وأعمال، فمنهم الموكل بالوحي، وهو الروح الأمين جبريل -عليه السلام-، زكاه الله وأعطاه قوة عظيمة، وخلقة عجيبة، وهيئة حسنة، وصورة جميلة، ﴿ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير: 20-21].
فهو الموكل بالوحي الذي به حياة الأرواح، ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء: 193-195]، رآه رسول الله ﷺ وله ستمائة جناح([5])، قد سد عظم خلقه الأفق، رآه على صورته في الأبطح وليلة المعراج([6])، سلطه الله على قوم لوط فأدخل طرف جناحه تحت قراهم ورفعها في الهواء إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة فيها نباح الكلاب ونهيق الحمير وصوت الإنسان([7]).
ومنهم إسرافيل -عليه السلام- الموكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الأبدان ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 6].
ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر وتصاريفه إلى حيث أمره الله.
وهؤلاء الثلاثة جاء ذكرهم في حديث الاستفتاح: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل"([8])، والسر في ذلك أن جبريل به حياة الأرواح، وميكائيل به حياة الأرض والبطاح، وإسرافيل به حياة الأشباح.
ومنهم الموكل بقبض الأرواح.
ومنهم الموكل بأعمال العباد وهم الكرام الكاتبون.
ومنهم الموكل بحفظ العبد من بين يديه ومن خلفه، وهم أربعة ملائكة ملازمون للمرء بين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله.
ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار.
ومنهم الموكل بالنطف والأرحام.
وهكذا، مما يدل على عظمة العظيم سبحانه وبحمده.
لكَ الحمدُ والنّعماءُ والْمُلْكُ ربّنا *** فلا شيءَ أعلى منك مَجْدَاً وأمجدُ
مليكٌ على عرض السّماءِ مُهَيْمِنٌ *** لعزّته تعنُو الوُجُوهُ وتسجدُ
فسبحانَ مَن لا يعرفُ الخلقُ قَدْرَهُ *** ومَنْ هو فوقَ العرش فردٌ موحّدُ
وَمَنْ لم تنازِعْهُ الخلائقُ مُلْكَهُ *** وإن لم تفرِّدْهُ العبادُ فمفردُ
هُوَ الله باري الخَلقِ والخَلْقُ كُلُّهُمْ *** إماءٌ له طَوْعَاً جميعاً وَأَعْبُدُ
مليكُ السَّماواتِ الشّدادِ وأرضِها *** يدومُ ويبقى والخليقةُ تنفدُ
وأَنّـى يكون الخَلْقُ كَالخالق الَّذِي *** يــدومُ ويـبقَى والـخليقَةُ تـنفدُ
تسبِّحُهُ الطّيْرُ الكوامِنُ في الْخَفَا *** وإذْ هِيَ في جَوِّ السّماء تَصَعَّدُ
ومن خوف ربي سبّح الرعدُ حَمْدَهُ *** وسبَّحه الأشجارُ والوَحْشُ أُبَّدُ
وَسَبَّحَهُ الحيتانُ في البَحْر زَاخِراً *** وَمَا طَمَّ مِنْ شَيءٍ وَمَا هُوَ مُقْلَدُ
أَلاَ أَيُّهَا القَلْبُ المقِيْمُ عَلى الهَوَى *** إلى أيّ حِيْن مِنْكَ هَذا التَّصَدُّدُ؟
عَنْ الحَقِّ كَالأَعْمَى الممِيْطِ عَنْ الهَدى *** وَلَيْسَ يَرُدُّ الحَقَّ إلاَّ مُفَنَّدُ
وَحـالاتِ دُنـيا لا تَـدومُ لِأَهلِها *** فَـبَينا الـفَتى فـيها مَهيبٌ مُسَوَّدُ
إِذا انـقَلَبَت عَـنهُ وَزالَ نَـعيمُها *** وَأَصـبَحَ مِـن تربِ القُبورِ يوَسَّدُ
هذا، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه([9]).
([1]) أخرجه الترمذي (2312)، وابن ماجه (4190)، وأحمد في «المسند» (21516).
([2]) أخرجه البخاري (7481).
([3]) أخرجه أبو داود (4727).
([4]) الحديث أخرجه البخاري (3207) ومسلم (162).
([5]) أخرجه البخاري (3232)، ومسلم (174).
([6]) انظر: تفسير ابن كثير (7/445).
([7]) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (1/99).
([8]) أخرجه مسلم (770).
([9]) الخطبة للشيخ خالد بن علي أبا الخيل.