العظيم
وفي هذا الاسم أربع خطب
الخطبة الأولى بعنوان: اسم الله العظيم
الخطبة الأولى
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
نتحدث اليوم عن اسم من أسماء الله تعالى، وهو اسم العظيم.
والعظيم في لغة العرب من العظمة وعلو الشأن والارتفاع والتبجيل.
ومعنى العظيم في حق الله تعالى أي الذي يعظّمه خلقه، ويهابونه، ويخافونه، ويتقونه بأداء أوامره واجتناب نواهيه، فهو عظيم في ذاته، وفي صفاته وأفعاله، وكل من دونه فهو صغير، فليس في الكون عظيم غيره، ولا يُعظَّم أحد مثله، فهو وحده ذو العظمة والجلال في عزه وسلطانه، وهو سبحانه عظيم في كل شيء لدرجة لا تستوعبها عقولنا القاصرة.
ومن الأدلة على عظمته أن بعض مخلوقاته لا نستوعبها من ضخامة خلقها كالكرسي، وأعظم منه العرش، ففي صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر t أن النبي ﷺ قال: "ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة"([1]).
وفي بعض الأحاديث تفصيل أن الأرض وما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة للسماء الدنيا، مع أن في الأرض مجراتٍ ونجومًا، ومع ذلك فهي كلها تساوي حلقة في صحراء بالنسبة إلى السماء الدنيا، وهكذا السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة للكرسي الذي هو موضع قدمي الرب جل جلاله كما صح عن عبدالله بن عباس 5([2]).
هذا الكرسي بالنسبة للعرش، إذًا فما بالكم بالعظيم سبحانه وتعالى وعظمته!
وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: "أُذِنَ لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام"([3])، فما بالكم برأس وجسم ذلك الملك، والذي يحمل العرش يوم القيامة ثمانية، فانظروا إلى الملائكة وعظمتها وهي من مخلوقات الله، فما بالكم بخالق هذه المخلوقات!
إنه سبحانه وتعالى عظيم في صفاته لا نستوعب عظمته، ولذلك يجب علينا تعظيم الله عز وجل في قلوبنا أولاً، ثم في عباداتنا ومعاملاتنا ثانياً، ولذا فإن من واجبات الصلاة أن نعظّمه في الركوع، فنقول: سبحان ربي العظيم، ثلاث مرات.
ومن آثار تعظيم الله في القلوب تعظيم أوامره ونواهيه، فليس التارك للصلوات المتكاسل عنها -وأولها صلاة الفجر- معظِّماً لله، فإن الصلوات من أوامر الله، وأداؤك للصلاة جماعة مع المسلمين تعظيم للآمر سبحانه، والتهاون بها استخفاف وضعف في تعظيم الآمر سبحانه وتعالى.
وكذلك ارتكاب المعاصي، وخاصة كبائر الذنوب من التهاون في الصلوات، أو الزنا، أو اللواط، أو شرب الخمر أو المخدرات، أو الربا، أو غير ذلك، فإنه يشير إلى ضعف في تعظيم الناهي عز وجل، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه﴾ [الأنعام: 91].
فعندما تؤدِّي ما أمَر الله به، وتجتنب المحرمات، فهذا تعظيم له سبحانه وتعالى.
ومن تعظيمه الإكثار من ذِكْره، وتعظيم كتابه القرآن الكريم.
ومن تعظيم الله عز وجل تعظيم شعائره ومعالم دينه، كالمساجد، والمشاعر المقدسة في مكة والمدينة، والأزمنة التي لها مكانة في الشرع كرمضان والأشهر الحرم.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا تعظيمه حق تعظيمه، وتعظيم أوامره ونواهيه وشعائر دينه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
([1]) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (361).
([2]) أخرجه عبدالرزاق في «تفسيره» (3030).
([3]) أخرجه أبو داود (4727).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اعلموا أن تعظيم الله تعالى واجب على المسلم، وأنه من أسس عقيدة المسلم.
ومن تعظيم الله عز وجل أن يغار المسلم على دينه إذا انتُهِكَتْ حرماته، فإذا رأيت المحرمات منتشرة في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو في الأسواق أو الشارع أو في أي مكان فإنك تغضب لأجل الله عز وجل، وهذا من تعظيم الله جل وعلا، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30]، وفَّقنا الله لما يرضيه.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين([1]).
([1]) الخطبة للشيخ عبدالله بن عوض الأسمري.