اسم المبين

اسم كاتب الخطبة: الخطبة للشيخ صالح بن فريح البهلال

- المبين

وفي هذا الاسم خطبة واحدة بعنوان: الهدى واليقين مع اسم الله المبين

الخطبة الأولى

الحمد لله الملك القهار، يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الغفار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار، أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: اتَّقُوا اللَّهَ، ﴿فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: 76].

أيها المؤمنون: إن مما يقوي الإيمان، ويجلب الفوزَ والأُنسَ والاطمئنانَ معرفةَ أسماء الله الحسنى، وفهمَ معانيها، وإدراكَ مقاصدها، والتعبدَ لله بها.

ومعنا في هذه الخطبة اسم من أسماء الله لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة، حوى معانيَ عظيمة، ودَلالاتٍ كريمة، ألا وهو اسم الله المبين، يقول عز وجل: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ[آل عمران: 76].

فما معنى المبين؟ وماذا يدل عليه؟ وما آثار الإيمان به على العبد؟

الله المبين سبحانه هو الذي أوضح لعباده الأدلة على وجوده وربوبيته ووحدانيته لا شريك له، فَلا يَخْفَى سبحانه عَلَى خَلْقِهِ بِمَا نَصَبَ لهم مِنَ الدَّلَائِلِ والبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، بَلْ دَلَائِلُ وَحْدَانِيَّتِهِ وَمُلْكِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ أَوْضَحُ مِنَ الشَّمْسِ فِي رَائعَةِ النَّهَارِ.

وكيف يصح في الذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليلِ

فكلُّ ذرة من ذرات هذا الكون شاهدة بالفقر له سبحانه، وبأنه سبحانه هو خالقها ومدبرها، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، وصدق من قال:

فواعَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ *** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ الواحِدُ

وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ *** وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ

والله المبين سبحانه بيَّن لعبده دلائل وجوده ووحدانيته وربوبيته بالشرع والفطرة والعقل والحس:

أما دَلالة الشرع فالكتب السماوية كُلُّها مبيّنة لذلك، ناطقة به، فمصالح الخلق التي جاءت فيها، والأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها، دليلٌ على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به، وأنه سبحانه هو المستحق للعبادة لا غير.

وأما دَلالة الفطرة عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى ووجوبِ توحيده فهو الافْتِقَارُ الذَّاتِيُّ الْمَوْجُودُ في نَفْسِ كُلِّ إِنْسَانٍ، فمهما أظهر هذا الإنسان من تكذيب لربه فإنه ما يلبث إذا نزل به البلاء، واشتدت به اللَّأواء إلا ويجد ضرورة في نفسه في نِدَاءِ اللهِ تَعَالَى، واللجأ إليه، والاطِّراح بين يديه.

 وَأَمَّا دَلالة العقل على وجود الله تعالى فَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ كلَّها سَابِقهَا وَلَاحِقهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَالِقٍ أَوْجَدَهَا، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجِدَ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، فتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُوجِدٌ، وَهُوَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وأما دَلالة الحس على وجود الله ووجوب توحيده فهو أننا نسمعُ ونشاهدُ من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، وعطية السائلين، وتفريج كربة المكروبين ما يدلُ دلالةً قاطعة على وجودِ الله تعالى ووجوبِ إفراده بالعبادة.

الله المبين هو الذي أنزل كتابه المبين: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ[المائدة: 15]، على رسوله المبين: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ[الزخرف: 29]، بالحق المبين: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل: 79]، ووعد من أطاعه بالفوز المبين: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ[الجاثية: 30].

الله المبين هو الذي بين لعباده آياتِه بكل أنواع البيان، وأقام حجته على خلقه بأنواع البرهان، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89].

الله المبين هو الذي أوضح لعباده الأعمال الموجبة لثوابه، والأعمال الموجبة لعقابه، وبين لهم ما يأتون وما يذرون، فالحلال بين، والحرام بين: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[النساء: 26].

الله المبين هو الذي بيّن بمنه وكرمه سبيل المؤمنين، وبيَّن وأوضح سبيل المجرمين: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55].  

الله المبين سبحانه هو البائن من خلقه، لَيْسَ فِي خَلْقِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، هو فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، لَهُ مُطْلَقُ العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ، وَلَيْسَ كَمَا يقول المتكلمون: إنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

الله المبين سبحانه هو الذي يبيِّنُ يوم القيامة لأهل الكفر والشركِ حقيقة العذاب الذي كانوا به في الدنيا يكذبون، وكانوا في ثبوته يهزأون ويمترون، فتزول جميعُ الشكوك عندهم: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 25].

معشر المؤمنين: هذه بعض المعاني التي يدل عليها اسم الله المبين، حريٌ بالمسلم أن يفقهها ويحيط بها علماً حتى ينال بركاتها ويصيب هداياتها.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة: 115].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن العبودية لله بهذا الاسم الكريمِ محبتُه سبحانه، حيث أبان لخلقه الحقَّ والآياتِ التي تدل على وجوده وتُثبت وحدانيته، وبين لهم شرعه أحسن بيان، ولم يتركهم سدى، وهذا كله يقتضي الاستسلامَ له بالتوحيد، والانقيادَ له بالطاعة، والبراءةَ من الشرك وأهله.

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم: التخلق بمقتضاه وما دل عليه، فعلى المؤمن أن يبين العلم ولا يكتمه، وأن يلتزم طريق الوضوح والبيان والصدقِ طِوال حياته، وفي كل تصرفاته وأخلاقياته وسلوكياته، ولا يكون غامضاً، أو ذا وجهين، وأن يسعى في تبيين الحقّ ولو كان على نفسه.

ومن العبودية لله باسمه المبين: أن يحرص العبد على التوسل لله بهذا الاسم العظيم، خاصة إذا كان مظلوماً ولم يعرف كيف يثبت براءة نفسه، فيذكر هذا الاسم في دعائه أو أن يكون حائراً من أمره لا يدري أين الطريق، وما الاختيار الصواب، فيدعو الله بهذا الاسم أن يبين له أرشدَ الأمر وأنفعَه له.

وقد ورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم في قول عمر بن الخطاب t: اللَّهُمَّ بيِّن لنا في الخمرِ بياناً شفاءً، دعا به ثلاث مرات حتى نزلت الآية التي في المائدة: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91]، فدُعي عمرُ t، فقرئت عليه، فقال: انتهينا انتهينا([1]).

اللهم يا مبيناً جل شأنه أبن لنا طريق الحق، وأعذنا من التباسه بطريق الباطل يا رب، وأنر بصائرنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا([2]).

 
 

([1]) الحديث بأطول من هذا أخرجه أبو داود (3670)، والترمذي (3049)، والنسائي (5540)..

([2]) الخطبة للشيخ صالح بن فريح البهلال.

عدد الكلمات

1797

الوقت المتوقع

29 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-11-14 16:15م