تأملات إيمانية في اسم السلام والمؤمن

إيمانيات

اسم كاتب الخطبة: الخطبة للشيخ فهد بن سعد أبا حسين

الخطبة الرابعة بعنوان: تأملات إيمانية في اسم السلام والمؤمن

الخطبة الأولى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مباركا فيه، أما بعد:

كثيرا ما ندعو بهذا الدعاء: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، فما معنى اسم السلام؟ وما آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل؟

السلام بمعنى أنه سبحانه سالم من جميع العيوب والنقائص، وكل صفاته سبحانه سلام مما يضادها، فحياته سبحانه سلام من الموت، ومن السِنة والنوم، وقدرته سبحانه سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان، أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وكلماته سلام من الكذب والظلم ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام: 115] وغناه سلام من الحاجة إلى غيره، بل كل ما سواه محتاج إليه، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته سلام من أن تكون عن حاجة أو ضعف كما يكون من غيره، وعذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما أو تشفيا، وعطاؤه سبحانه سلام من كونه عن معاوضة، أو لحاجة إلى المعطَى، ومنعه سلام من البخل والعجز.

وهو السلام على الحقيقة سالم *** من كل تمثيل ومن نقصان

﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء: 111].

يقول ابن القيم رحمه الله: "فتأمل كيف تضمن اسم السلام كل ما نُـــزّه عنه سبحانه، وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني"([1]).

كان النبي ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، ثم قال: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"([2])، يعني: اللهم إني أتوسل إليك بهذا الاسم الكريم من أسمائك، "أنت السلام ومنك السلام" منك يرجى السلام في الدنيا والآخرة.

فإذا علمت يا عبد الله بأن الله هو السلام فاعلم أن السلام والأمن منه سبحانه، وكل من ابتغى السلامة عند غيره سبحانه فلن يجدها، ولذلك قال ﷺ: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام"، وإذا أردت السلامة في الدنيا والآخرة فعليك بطريق الهداية، فمن اتبع هدى الله سلم من عذابه، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طـه: 47].

وأحوج ما يحتاج العبد إلى السلامة عند الموت، وفي الآخرة، أما عند الموت فإذا حضرت العبدَ المؤمنَ الطيبَ الوفاةُ أخذت الملائكة تسلم عليه، وتطمئنه عند قبض روحه ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32]، وأما في الآخرة فإنه يدخل الجنة دار السلام، فمن دخلها سلم من المنغصات والشرور، وسائر الآفات ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ [الأنعام: 127]، والله سبحانه يسلم على عباده وأوليائه في الجنة ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ [يــس: 58]، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ [إبراهيم: 23].

وإذا علمت بأن الله سبحانه هو السلام فاعلم أنه سبحانه سلم نوحا وإبراهيم وموسى وهارون عليهم السلام فلا يتكلم فيهم أحد، ولا يذكرون إلا بالثناء الجميل ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات: 79]، ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الصافات: 109] ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 120]، يعني: أمنة من الله لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء، وأمنة من الله في الأرض لإبراهيم أن يذكره من بعده إلا بالجميل، فأبقى الله عليه ثناء صادقا في الآخرين، وهكذا موسى وهارون عليهما السلام.

وانظر إلى يحيى عليه السلام خصه الله جل وعلا بالسلام، وحفظه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا، قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: "أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد، فيرى نفسه خارجا مما كان، ويوم يموت، فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم، قال: فأكرم الله فيها يحيى فخصه بالسلام، فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم: 15]"([3]).

وإذا علمت بأن الله سبحانه هو السلام، فاعلم أنه سبحانه وصف ليلة القدر بأنها سلام ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5] يعني: أنها ليلة سالمة من الشرور.

وأمر بإفشاء هذا الاسم العظيم "السلام"، فإفشاء السلام سبب لدخول الجنة، وهو أول أسباب التآلف، واستجلاب المودة.

وجعل السلام من شعائر الإسلام العظيمة، فأول ما قدم النبي ﷺ المدينة كان من أوائل كلامه: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"([4]).

ومما ينبه إليه أنه لا يقال: السلام على الله؛ لأن كل سلام ورحمة فهو مالكها سبحانه، يقول ابن مسعود t: كنا نصلى خلف النبي ﷺ، فنقول: السلام على الله، فقال النبي ﷺ: "إن الله هو السلام"([5]).

 

([1]) بدائع الفوائد (2/137).

([2]) أخرجه مسلم (591).

([3]) انظر: تفسير ابن كثير (5/217).

([4]) أخرجه الترمذي (2485)، وابن ماجه (3251).

([5]) أخرجه البخاري (831)، ومسلم (402).

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

من أسماء الله "المؤمن" كما قال الله سبحانه: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23]، والمؤمن يرجع إلى معنيين:

الأول: الإيمان بمعنى التصديق، فالله -جل وعلا- هو المؤمن الذي صدق رسله بالمعجزات والآيات والبراهين المتنوعة.

وأما المعنى الثاني للمؤمن: فهو الأمان الذي ضد الإخافة.

والمؤمن في هذه الدنيا لا يبحث عن الأمان في الدنيا فقط، وإنما يبحث عن الأمان في الدنيا والآخرة وعند الموت، ومن أعظم أسباب الأمان تحقيق التوحيد لله رب العالمين: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82]، وكلما عظم التوحيد عند الإنسان كلما عظم الأمن لذلك الإنسان في الدنيا والآخرة.

ومن أعظم أسباب الأمان الاستقامة على طاعة الله كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا [فصلت: 30]، قال ابن رجب -رحمه الله-: "والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك"([1]).

ومن أعظم أسباب الأمان أن تلجأ إلى الله -جل وعلا-، وتطلب منه السلامة والعافية والأمان، وثق تمام الثقة أن لك ربا رحيما كريما كتب على نفسه الرحمة.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "إن التائب الصادق في توبته إذا تاب إليه وجده غفورا رحيما، والمتوكل إذا صدق في التوكل عليه وجده حسيبا كافيا، والداعي إذا صدق في الرغبة إليه وجده قريبا مجيبا، والمحب إذا صدق في محبته وجده ودودا حبيبا، والملهوف إذا صدق في الاستغاثة به وجده كاشفا للكرب مخلصا منه، والمضطر إذا صدق في الاضطرار إليه وجده رحيما مغيثا، والخائف إذا صدق في اللجأ إليه وجده مُؤمّنا من الخوف"([2]).

وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى حيث أمركم الله فقال: ﴿إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: 56]([3]).

 

 

 

 

 

 
 

([1]) جامع العلوم والحكم (2/607).

([2]) مدارج السالكين (3/304).

([3]) الخطبة للشيخ فهد بن سعد أبا حسين.

عدد الكلمات

2146

الوقت المتوقع

35 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-04-26 02:08م