تأملات إيمانية في اسمي (الله) و(الرب)

إيمانيات

اسم كاتب الخطبة: الخطبة للشيخ فهد بن سعد أبا حسين

خطب في أسماء مقترنة

الخطبة الأولى بعنوان: تأملات إيمانية في اسمي (الله) و(الرب)

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

حديثنا اليوم عن أول آية في القرآن: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، لقد اشتملت هذه الآية العظيمة على اسمين عظيمين من أسماء الله تعالى، أما الاسم الأول فهو (الله)، وكلمة (الله) من الإله، الذي يُؤْلَه ويؤلَّهُ، فُيعبد محبةً وإنابة وإجلالاً، قال ابن الأثير -رحمه الله-: "(الله) أصله من أَلِه يأْلَه إذا تحير"([1])، وذلك لأن القلوب تتحير عند التفكر في عظمة الله.

فهو الله الذي لا يسكنُ العبدُ إلا إِليه، ولا تسكنُ القلوب إِلا بذكره، ولا تفرح العقول إِلا بمعرفته، ولا يفزع العبدُ ولا يلجأ إِلا إِليه، تكادُ القلوبُ المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به.

فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثَّره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنياً، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات والدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات.

الله: هو الذي تألهه القلوب محبة وإِجلالاً، وإنابةً وإكراماً وتعظيماً وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاء وتوكلاً.

فإن الإله هو الذي يُطاعُ، ولا يطاع فقط، وإنما يُطاعُ محبةً وخوفاً ورجاءً، ومن صدق في قول: (لا إله إِلا الله) لم يحب سواه، ولم يرجُ إلا إِياه، ولم يخش أحداً إِلا الله، ولم يتوكل إلا عليه سبحانه.

فإذا تعلم المؤمن معنى هذا الاسم العظيم فإنه حينئذ لا يتوجه في عبادته إلا لله وحده، فلا يسجد لغير الله، ولا يركع لغيره، ولا يذبح لغيره، ولا يدعو إلا الله سبحانه؛ لأن الله هو الذي تألهه القلوب وحده فترجوه وتخافه وتحبه وتتوكل عليه، وتعبده وحده ولا تعبد غيره.

وإذا علمت معنى هذا الاسم العظيم فإنك حينئذ تحب الله محبة عظيمة تتقدم على محبة النفس، والولد، والوالد، والمال، والدنيا كلها، وهذا يستلزم محبة من يحبه الله وما يحبه الله، وبغض من يبغضه الله سبحانه وما يبغضه، ويستلزم الموالاة والمعاداة فيه، بل لا يذوق طعم الإيمان إلا من أحب في الله، وأبغض في الله، قال ﷺ: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"([2]).

أما الاسم الثاني في هذه الآية فهو الرب: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، ومعنى الرب: المالك، المتصرف، والمدبر، والمنعم، فهو سبحانه المتصرف في العالم والمدبر له، ينفذُ أمره في كل وقت؛ يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويصرف الأمور بمشيئته، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مبدل لكلماته؛ فمن أنكر ذلك فقد أنكر ربوبية الله سبحانه.

والله سبحانه هو الرب المربي لجميع العباد الأولين منهم والآخرين، من كان في مشارق الأرض ومن كان في مغاربها ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل: 9]، وكان الأنبياء -عليهم السلام- يدعون بهذا الاسم كثيراً، دعا به نوح، وموسى، ويوسف، وزكريا، وأيوب، والعبادُ الصالحون ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا [آل عمران: 193].

أخي -بارك الله فيك-: إذا علمت بأن من أسماء الله الرب، فإنك لا ترضى بغير الله رباً، يقول النبي ﷺ: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً"([3]).

فانظر إلى هذا الفضل العظيم لمن رضي بالله رباً، فما معنى الرضا بالله رباً؟ معنى ذلك: أن يرضى العبدُ بما يأمره به وينهاه، وما يقسمه له ويقدره عليه، وما يعطيه إياه وما يمنعه منه، فيرضى بالله خالقاً مدبراً، وآمراً وناهياً، وحكَماً، ووكيلاً وولياً ونصيراً، ومعيناً وكافياً، وحسيباً ورقيباً، ومبتلياً ومعافياً، وقابضاً وباسطاً، إلى غير ذلك من صفات ربوبيته سبحانه، فمتى لم يرض بذلك كله فإنه لم يرض بالله رباً من جميع الوجوه.

ومتى ذاق العبدُ طعم الإيمان فلا تسأل عن سعادته وأنسه، وطمأنينته وثباته، ولو كثرت عليه البلايا والرزايا، ومن هذا شأنه فإِن طاعات الله عز وجل تسهل عليه، ومعاصي الله ينفر منها ويكرهها قلبه.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

([1]) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/62).

([2]) أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43).

([3]) أخرجه مسلم (34).

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إذا علم المؤمن معنى اسم الرب، وأنه المالك المتصرف سبحانه، المحيي المميت؛ فإن ذلك يورث في قلبه قوة التوكل على الله سبحانه في جلب المنافع ودفع المضار، فلا يتعلق قلبه إِلا به سبحانه، أما العبيد فلا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، لا يملكونه لأنفسهم فضلاً عن غيرهم.

وإذا علمت معنى اسم الرب سبحانه، وما يستلزم ذلك من أسمائه الحسنى والصفات العلا فإنك حينئذ تعلم أن الناس لم يخلقوا عبثاً، وأن الله خلقهم لغاية عظيمة: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115]، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: 27].

إخوة الإيمان: هذا شيء من معنى هذين الاسمين العظيمين، ونختم الحديث بسؤال يتساءله كثير من الناس عن الفرق بين اسم (الله) واسم (الرب) إذا اجتمعا؟

والجواب: أن معنى اسم الرب يعني: الخالق المالك المتصرف، وأما معنى الإله: فهو المعبود والمألوه، الذي يجب أن يوحده العبادُ بأفعالهم([1]).

 
 

([1]) الخطبة للشيخ فهد بن سعد أبا حسين.

عدد الكلمات

1461

الوقت المتوقع

24 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-04-26 02:22م