اسم الديان

اسم كاتب الخطبة: الخطبة للشيخ حسام بن عبدالعزيز الجبرين

الديان

وفي هذا الاسم خطبة واحدة بعنوان: اسم الله الديان

الخطبة الأولى

الحمد لله الغفور الودود، المتعالي عن الأمثال والأشكال والجهات والحدود، وأشهد ألا إله إلا الله الرب المعبود.

يا فَاطِرَ الخَلْقِ البَدِيْعِ وكَافِلاً *** رِزْقَ الجَمِيْعِ سَحَابُ جُوْدِكَ هَاطِلُ

يا مُسْبغَ البرِّ الجَزِيْلِ ومُسَبِلَ الـ *** ستْرِ الجَمِيْلِ عَمِيْمُ طَوْلِكَ طَائِلُ

يا عَالِمَ السِّرِ الخَفِيّ ومُنْجِزَ الْـ *** وَعْدِ الوَفِيّ قَضَاءُ حُكْمِكَ عَادِلُ

عَظُمَتْ صِفَاتُكِ يَا عَظِيْمُ فَجَلَّ أَنْ *** يُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْكَ فِيْهَا قَائِلُ

وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله.

أُرسلتَ داعيةً إلى الرحمنِ *** ودعوتَ فاهتزت لك الثقلانِ

أخرجتَ قومك من ضلالاتِ *** الهوى وهديتنا للواحد الديان

صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

إخوة الإيمان: من أسماء الله سبحانه التي وردت في السنة الدّيان، فتعالوا نغذي إيماننا بمعرفة دليليه، ومعناه، وآثاره في حياة المسلم.

عن جابر بن عبد الله 5 قال: بلغني حديثٌ عن رجل سمعه من رسول الله ﷺ، فاشتريت بعيرا، ثم ‌شددت ‌عليه ‌رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس t، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله ﷺ في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يحشر الناس يوم القيامة -أو قال: العباد- عراةً، غرلاً، بهماً"، قال: قلنا: وما بهماً؟ قال: "ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه، حتى اللطمة"، قال: قلنا: كيف، وإنا إنما نأتي الله عز وجل عراةً، غرلاً، بهماً؟ قال: "بالحسنات والسيئات"([1]).

إخوة الإيمان: والديان معناه المجازي المحاسب، ويوم القيامة سيجمع الله الأولين والآخرين عراة ليس عليهم ثياب، حفاة بلا نعال، غرلاً غير مختونين، بُهمًا ليس معهم شيء من متاع الدنيا، ثم يحاسبهم ويجازيهم على ما قدموا في حياتهم الدنيا من أعمال.

وسُمّي يوم القيامة بيوم الدين؛ لأنه يوم الحساب والجزاء، ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ [النور: 25]، قال ابن عباس 5: "دينهم أي: حسابهم"([2])، وقال تعالى يحكي قول الكفار: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات: 53]، قال ابن عباس 5: "لمجزيون بأعمالنا"([3]).

معشر الكرام: وإذا علم اللبيب أن الرب سبحانه ديّان، وأن يوم القيامة يوم جزاء وحساب، وأنه سيجد أعماله كلها محضرة خيرها وشرها فإنه سيحسب لذلك اليوم عدته، فالكيّس من حاسب نفسه ما دام في دار المهلة والعمل.

قال أبو الدرداء t: "البر لا يبلى، والإثم لا يُنسى، والدّيان لا ينام، فكن كما شئت كما تدين تدان"([4]).

وفي حديث أبي هريرة t: "أتدرون ما ‌المفلس؟"، قالوا: ‌المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن ‌المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"([5]).

بل إن من كمال مجازاة الرب سبحانه في ذلك اليوم أنه يجيء بنفسه في ذلك اليوم للفصل بين العباد، ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً [الفجر: 22].

عن عائشة 1 أن رجلا قعد بين يدي النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكِين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، ‌وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ قال: "يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا، لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتُص لهم منك الفضل"، قال: فتنحى الرجل، فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله ﷺ: "أما تقرأ كتاب الله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ليَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]، فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهم شيئا خيرا من مفارقتهم، أشهدك أنهم أحرار كلهم"([6]).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأفادنا سنةَ سيد المرسلين.

 

([1]) أخرجه أحمد في «المسند» (16042).

([2]) انظر: تفسير ابن كثير (6/34).

([3]) انظر: تفسير ابن كثير (7/15).

([4]) أخرجه أحمد في «الزهد» (765).

([5]) أخرجه مسلم (2581).

([6]) أخرجه الترمذي (3165).

الخطبة الثانية

الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن معرفة أسماء الله سبحانه تثمر للعبد ثمرات متنوعة، ومن آثار الإيمان باسم الله الدّيان:

الخوف من الله سبحانه، واجتناب مظالم العباد؛ لأن العبد يعلم أن هناك يومًا سيأتي لا ريب فيه، لا فرق فيه بين غني وفقير، ومسكين وأمير، فالكل بين يدي حكمٍ عدلٍ، قال ﷺ: "من قذف مملوكَه وهو بريءٌ مما قال جُلِدَ يومَ القيامةِ، إلا أن يكونَ كما قال"([1]).

فاحذر عبد الله أيّ ظلم أو أذى، فقد يسكت المظلوم في الدنيا ولا يطالب بحقه، أو لا يستطيع المطالبة، فيأخذ حقه منك يوم الدين.

ومن آثار الإيمان باسم الله الدّيان: تسليةُ المظلومين والمقهورين في هذه الدنيا، وذلك بأن هناك يومًا سيقتص فيه الديان سبحانه من الظالمين، ويشفي صدور المظلومين ممن ظلمهم، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم: 42]، وإذ كان الدّيان سبحانه سيقتص للحيوانات بعضها من بعض فكيف بالإنسان المسلم المكرم؟ قال ﷺ: "لتُؤدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلِها يومَ القيامةِ، حتَّى يُقادَ للشَّاةِ الجلْحاءِ من الشَّاةِ القرْناءِ"([2]).

ومن آثار الإيمان باسم الله الدّيان: توخي العدلِ مع الناس لمن ابتلاه الله بالحكم بينهم، أو مجازاتهم في الدنيا.

ومن آثار الإيمان باسم الله الدّيان: الحرص على أداء الأعمال بأمانة ونصح للآخرين، والبعد عن خداعهم أو غشهم.

ومن آثار الإيمان باسم الله الدّيان: التوبة إلى الله، والتخلص من مظالم العباد، ورد الحقوق إلى أهلها.

أما والله إنّ الظلم لؤمٌ *** وما زال المسيءُ هو الظلوم

إلى ديّان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم

وبعد عباد الله: فصلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]([3]).

 
 

([1]) أخرجه البخاري (6858)، ومسلم (1660).

([2]) أخرجه مسلم (2582).

([3]) الخطبة للشيخ حسام بن عبدالعزيز الجبرين.

عدد الكلمات

2126

الوقت المتوقع

35 د


منبر الحسنى

تاريخ الطباعة/التصدير: 2025-04-26 01:28م